مدينة تبسة، مدينة التاريخ و الحضارة
من خلال فيديو توضيحي مثير. ستكتشف تاريخًا عريقًا وثقافة غنية تنسجم بشكل مذهل مع المعالم الساحرة والمناظر الطبيعية الخلابة. استعد للغوص في مناظر خلابة ومعالم تاريخية وتجارب ثقافية لا تنسى في هذه المدينة الساحرة
تعتبر تبسة منطقة العلماء و الشهداء، هناك و بالضبط تقع أشهر مدينة أثرية و المعروفة باسم “تيفاست”، هي التي لها من الروائع التاريخية ما يخلده التبسي الأصيل، فهي مدينة الحضاراتبمعالمها الشاهدة على تعاقب الأمم، المدينة التاريخية و الثورية برموزها و أبطالها الذين كتبوا بدمائهم أكبر البطولات في البسالة و التضحية.

نقع منطقة تبسة أقصى شرق الجمهورية الجزائرية بين خطي طول 7 و 8 درجات شرقا و بين دائرتي عرض 34 و 36 درجة شمالا، يبلغ ارتفاعها 900م عن مستوى سطح البحر، تحدها شمالا ولاية سوق أهراس، غربا ولايتا خنشلة و أم البواقي، جنوبا ولاية الوادي، أما شرقا فنجد الجمهورية التونسية.
تتكون من عدة سلاسل جبلية منها جبل الدكان بارتفاع 1712م و ترتفع منها جبال أخرى كجبل أزمور 1353م و بورمان 1545م، من الجهة الغربية نجد جبال سرجاس 1421م و جبل متلوق 1253م و من الجهة الشرقية جبل الدير 1472م و الزيتونة 1324م.
تتربع الولاية على مساحة 14227كلم مربع، وصل عدد سكانها سنة 2010 إلى 750000 نسمة، تأخذ تبسة حسب التقسيم الإداري الأخير للجزائر الرمز 12، تضم 12 دائرة و 28 بلدية.
تبسة عبر التاريخ
- الحضارة الآشولية المكتشفة في موقعين : موقع العوينات و الذي يعد أقدم موقع أثري في ولاية تبسة و موقع الماء الأبيض حيث يعتبر هذا الأخير أهم موقع لهذه الحضارة في شمال إفريقيا.
- الحضارة العاترية (66 – 20 ألف سنة ق ح) : شهدت تطور صناعة الأدوات الحجرية، و من أبرز مواقع تواجدها موقع وادي الجبانة، موقع عين منصورة، موقع الأوبيرة، موقع وادي سردياس و موقع جوف الجمل.
- الحضارة القفصية (10 سنة ق ح) : شهدت ظهور الصناعة العظمية، من أبرز مواقعها نجد موقع عين مستيحية و ريليلاي جنوب الشريعة، موقع عين الدكارة حيث عثر على هيكل عظمي لإنسان، موقع بكارية، وادي رفانة، خنقة الموحد، نقرين …إلخ.
- العصر الحجري الحديث : عرفت ظهور الزراعة و تطور الصناعات الحجرية، ظهرو الفن من خلال الرسومات الصخرية في واد هلايل و واد بوسمان، كما شهدت أيضا ابتكار الفخار و صناعة الأواني. من أهم مواقع هذا العصر نجد الداموس الأحمر و تازبنت.
- فترة فجر التاريخ : هي حلقة الوصل بين ما قبل التاريخ و التاريخ، حيث بدأ الإنسان في استخراج المعادن و تصنيعها، ممارسة بعض الطقوس الجنائزية التي دلت عليها المعالم الجنائزية في منطقة قاستل، جبل مستيري، رأس العيون، نقرين و فركان.
بعد تأسيس قرطاجة سنة 814 ق م، استمر الفينيقون في التوسع نحو تبسة أين نقلوا نشاطهم التجاري و الاقتصادي حيث كانت تبسة في تلك الفترة ثاني أهم مدينة بعد قرطاجة كونها مركزا تجاريا يربط بين مدن البحر المتوسط و الشرق الأدنى، و تصاهروا مع سكانها الذين كانوا يعرفون بالنوميديين، ما خلق نوعا من التأثير الفكري و الثقافي تجسد ذلك في نصب و تماثيل للآلهة مثل : تانيت ، بعل حامون.
استمر التواجد الفينيقي في منطقة تبسة إلى غاية نعاية الحرب البونية الثالثة سنة 146 ق.م بسقوط قرطاج و تدميرها بالكامل من قبل الرومان.

بعد سقوط قرطاج سنة 146 ق.م، بدأ التوسع الروماني بشمال إفريقيا وأخذ في الزحف إلى أن وصل إلى منطقة تبسة خلال النصف الثاني من القرن الأول ميلادي (74- 79 م)، حيث أصبحت مقرا للفيلق الثالث الأغسطي سنة 75 م في عهد الإمبراطور فيسبيسيانوس.
خلال هذه الفترة عم الازدهار حيث ترقت تيفاست إلى بلدية تابعة لروما، ونظرا للانتعاش الاقتصادي وتطور النظام الاجتماعي والسياسي وتوسع الفنون والمشاريع فيها تم تشييد المسرح المدرج في الفترة الممتدة بين (75 م – 80 م)، كما عرفت هذه الفترة تشييد العديد من الطرقات.
خلال القرن الثاني الميلادي، حدث نمو سريع للمنطقة، فانتشرت زراعة الكروم والزيتون نظرا لخصوبة الأراضي الزراعية بها، حيث عثر على أكثر من 200 معصرة على الطريق الرابط بين تبسة وبئر العاتر، ومعصرة برزقان المتواجدة بالقرب من الماء الأبيض خير دليل على ذلك باعتبارها أكبر المعاصر بشمال إفريقيا في تلك الفترة.
من أجل التوسع أكثر، أقامت روما منشآت دفاعية في عهد الإمبراطور ” تراجان “، نذكــر منها “AD Majores” جنوب نقرين (بسرياني) سنة 105 م، بهدف التحكم في الطرق الجنوبية والشرقية.
لقد شهدت تيفاست عصرا ذهبيا بتشييد المباني العمرانية، الحمامات الفخمة وقنوات صرف المياه، أين وصل تعداد سكانها إلى 50000 نسمة في عهد الإمبراطور ” هادريانوس ” (117 م – 138 م).
تواصل الازدهار بمنطقة تيفاست إلى أن أصبحت مستعمرة رومانية خلال فترة حكم ” سبتيم سيفر ” وولديه (193 م – 217 م)، آخرهم ” كراكلا “، الذي أعطى حق المواطنة لأهالي المنطقة، وعلى شرفه تم بناء قوس النصر كراكلا سنة 214 م والذي يشبه إلى حد كبير قوس النصر جانوس المتواجد بروما.
لم يدم هذا الازدهار طويلا، فسرعان ما عادت الاضطرابات والحروب الأهلية زادت من حدتها اتخاذ إجراءات صارمة ضد معتنقي المسيحية من قبل الإدارة الرومانية، خاصة خلال فترة حكم الإمبراطور ” غورديان ” (238 م – 244 م)، أين تعرضت تبسة للنهب والتخريب.
عرفت تيفاست بداية انتشار الديانة المسيحية، والبازيليكا هي إحدى الكنائس المسيحية التي كانت عبارة عن هيئة إدارية وقضائية في أول الأمر (القرن 2 م)، وعند اعتراف الإمبراطورية الرومانيــة بالديانــة المسيحيــة، أطلق عليها ” بازيليكا سانت كريسبين ” علـى شرف القديســة
” كرسبين “، وقد أخذت شكلها النهائي مع نهاية القرن 5م.
إشتهرت تبسة في التاريخ الكنائسي بعدة قساوسة تيفستيين، نقشت أسماءهم في قبو قابينيلا أشهرهم: سان ماكسيمليان، الذي رفض التجنيد بدعوى تدينه الشديد، فما كان نصيبه إلا التعذيب والتنكيل وتوفي بتيفاست سنة 295 م، إضافة إلى ليسيوس 255 م، روميلوس 349 م، إيربيكوس 411 م وفيليكس، الذي استدعي إلى قنصلية قرطاج سنة 484 م بحكم مكانته بين القساوسة في ذلك الوقت.
لقد خلف لنا الرومان مجموعات أثرية متنوعة عكست الازدهار الذي عرفته المنطقة في هذه الفترة، نذكر منها أواني فخارية متعددة الأشكال والاستعمالات، مصابيح زيتية من الطين المشوي، عملات نقدية، قارورات زجاجية، نقيشات، نصب وموائد جنائزية وتماثيل آدمية وحيوانية، طواحن، توابيت، لوحات فسيفسائية، أحواض، بالإضافة إلى عناصر معمارية عديدة…. وغيرها.
خلال هذه الفترة أصبحت تيفاست بلدية تابعة لروما،و تم تشييد المسرح المدرج و عديد الطرقات، الشيء الذي ظهر في الانتعاش الاقتصادي ، التطور الزراعي و تطور النظام الاجتماعي و السياسي.

إستغل الوندال الوضع خاصة بعد ما آلت إليه الإمبراطورية الرومانية بعد ضعف الجيش وعجزهم عن حماية المناطق البعيدة التي تسيطر عليها، وهذه الحالة من الفساد مست العلاقة بينها وبين مستعمراتها، فشمال إفريقيا من أحدى هذه المستعمرات التي أنتجتها هذه الفوضي، خاصة بعد تمرد “بونيفاس” علي الإمبراطورية، فكانت الثورات البربرية متزامنة مع الكثير من سكان منطقة تبسة التي أرهقتها ضرائب الإمبرطورية، فقرر الوندال تنظيم غارة على إفريقيا وكان ” جنسريق ” على رأسها، وأثناء زحف جيشه داخل المنطفة (شمال إقريقيا) كانت تتبعه أعمال فضيعة من عبث بالأشجار والمزروعات، حرق الكنائس وتعذيب للقساوسة وتقتيل الشيوخ والأطفال، فلم تسلم تيفاست هي الأخرى من وحشيتهم، إذ قاموا يتخريبها عدا قوس النصر كراكلا ومعبد مينارف تقريبا.
بعد أن أزاح الوندال حكم الرومان لشمال إفريقيا، فمن الطبيعي أن يكون هناك تغير علي مستوي النظم التي تحكم البلاد، فقد أسس الوندال دولة ملكية كانت هذه أول دولة ملكية وراثية تأسست بشمال إفريقيا، توارث عرشها عديد الملوك بداية بجنسريق وكانت أول عاصمة لهم بهذا الوطن مدينة بونة عنابة.
أمام كل هذه الظروف والمعطيات، قامت ثورات بربرية عديدة تطالب بتحرير البلاد، في الوقت الذي نشبت فيه خلافات بين الوندال أنفسهم على السلطة، حيث كثرت الدسائس والمؤامرات ضد كل حاكم.
لقد تبين للبرابرة أن الوندال مثل الرومان في القسوة و الوحشية و الإستغلال فقد شملت الثورات معظم مناطق شمال إفريقيا شرقا بما فيها تيفاست وغربا، وقد حاول “جيليمار” القضاء على تلك الثورات الأهلية دون جدوى، وهوالدافع الذي شجع البيزنطييون للقدوم بإعتبارهم الوريث الشرعي للإمبراطورية الرومانية ومحاربته، إلى أن إستولوا على قرطاج عام 533م والسيطرة على المنطقة سنة 534م بعد إستسلام “جليمار” إنتهى الإحتلال الوندالي الذي إستغرق بالمنطقة مايزيد عن قرن.
أما فيما يخص مخلفاتهم ” لوحات ألبرتيني ” المشهورة المكتشفة سنة 1928م جنوب شرق تبسة، وهي عبارة عن عقود للملكية،التجارة،الزواج والضرائب مكتوبه على ألواح خشبية باللغة اللاتينية مؤرخة في عهد الملك ” غونتاموند ” (484م-496م).

أطلق البيزنطيون على أنفسهم اسم الرومان معتبرين أنفسهم الوريث الشرعي للإمبراطورية الرومانية بعد سقوطها، أما كلمة بيزنطيين فقد اشتقت من كلمة “بيزانتيوم” (بيزنطة) وهو الاسم الإغريقي لمدينة تقع على مضيق البوسفور الذي يشكل جزءًا من الممر المائي الذي يربط البحر الأسود بالبحر المتوسط
عرفت الإمبراطورية البيزنطية أكبر توسع لها في عهد الإمبراطور “جستنيانوس” (527 م و565 م) والذي عقد العزم على استرداد عظمة الإمبراطورية الرومانية باستعادة أراضيها خاصة بشمال إفريقيا على يد قائده “بليزاريوس” والذي وصل إلى منطقة تيفاست حوالي 533 م فبسط البيزنطيون نفوذهم على المنطقة تحت ظل استرجاع الأمجاد الرومانية في بلاد إفريقيا والأقاليم الرومانية ككل، وكان بليزاريوس- أكثر الرعايا ولاء للإمبراطور- الذي ساعدت بطولته وبسالته في جعل فترة حكم “جستنيانوس” عصرا ذهبيا في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية.
اقتبس البيزنطيون في عهد “جستنيان” قوانين كثيرة من قوانين الرومان القدماء كما سنوا مجموعة من القوانين عرفت باسم “قانون جستنيانوس”، وفيها ما يهدف إلى تموين القسطنطينية بالأموال وبكل أشكال المؤونة وهو ما عجل بظهور ثورات بربرية ضدهم سنتي 534 م – 535 م، وهنا خلف القائد “صالمون” “بليزاريوس” على قيادة الجيش بعد أن أجبر هذا الأخير على المغادرة إلى “هيبون” ومن ثم إلى بيزنطة، فقضى “صالمون” على التوتر والبغضاء بين البيزنطيين وسكان تيفاست بعد أن خاض عدة معارك بها، لكن هذا الهدوء لم يدم إلا أربع سنوات إلى أن قام أحد أحفاده بقتل عدد من الأهالي لتثور ثائرة التفيستسيين الذين قاموا بجمع قوة بربرية عبر أرجاء المدينة والمنطقة أذهلت القائد “صالمون” وأسفرت بعد معركة حاسمة على مقتله والتغلب على الجيش البيزنطي، وعلى إثر ذلك دخلت المنطقة فترة عدم استقرار حتى وصول الفتوحات الإسلامية إلى شمال إفريقيا.
استغل البيزنطييون ما خلفه الرومان من منشآت في تحصين المدن وهو ما تجلى في القلعة البيزنطية بمدينة تبسة، التي تعتبر من أهم المنشآت الدفاعية في شمال إفريقيا خلال فترة حكم الإمبراطور “جستنيانوس” معتمدين في ذلك على بقايا الآثار الرومانية من حجارة، أعمدة، تيجان وغيرها، فنقلوا مواد البناء من مختلف المباني والمنشآت كالمسرح المدرج وتبسة الخالية وغيرها من المواقع لبناء القلعة التي أدمجوها مع قوس النصر كراكلا من الجهة الشمالية كما دعمت القلعة بـ 14برجا للحراسة.
عرفت الإمبراطورية حالة من الإفلاس عند موت “جستنيانوس” سنة 565 م وذلك بسبب التكاليف الباهظة للحروب والإصلاحات التي أجريت في عهده.
تراجعت الديانة الوثنية شيئا فشيئا أمام ظهور الديانة المسيحية رغم القتل الذي كان يتهــدد كل مــن يعتنقــها فعمل الأباطــرة علـى طمس معالمهــا إلى أن اعترف ” قسطنطينوس الأول ” بالديانة المسيحية عام 313 م فأعلن فيه التسامح الديني للمسيحيين وصدرت وثيقة بهذا الاسم، ويعتبر هذا تحولا كبيرا في التاريخ الكنائسي للإمبراطورية تجلى من خلال توسيع البازيليكا المسيحية بإضافة مصليات وإحاطتها بسور مزود بأبراج دفاعية، كما وجدت الرموز الدينية المسيحية على مخلفاتهم بتيفاست من أواني فخارية، عملات نقدية، شواهد، لوحات فسيفسائية وعلى الكثير من العناصر المعمارية.

لم يكن فتح بلاد المغرب يسيرا على الفاتحين المسلمين بسبب النطاق الجغرافي الشاسع وكذلك ما توارثه سكان المنطقة من أفكار مسبقة حول الغطرسة والجبروت الذي تكبدوه على يد الغزاة السابقين من رومان، وندال وبيزنطيين.
فتوالت حملات القادة المسلمين وتعددت كانت في كل مرة المقاومة البربرية صامدة وواقفة في طريقهم، بمساعدة في كثير من الأحيان القوة البيزنطية التي أدركت منذ البداية بأن فتح المنطقة يعني نهاية تواجدهم وبالتالي، من جهة، نهاية فترة زاهية كانوا خلالها ينعمون بخيراتها الكثيرة، ومن جهة أخرى، الخوف من انتشار الإسلام في منطقة تعتبر ذات أهمية بالغة بالنسبة لهم.
وبعد محاولات فتح بعض المناطق من تونس بقيادة كل من عبد الله بن أبي سرح عام (27 هـ – 647 م) ومعاوية بن حديج الكندي عام (45 هـ – 665 م)، وإرساء قواعد تكون منطلقا للتوسع ونشر الإسلام في باقي المناطق، واصلوا الحملات باتجاه المغرب الأوسط، وكانت تبسة منطلقا لولوج هذه المنطقة، التي كانت المقاومة بها شرسة من قبل البربر والبيزنطيين على حد سواء، فكانت من أهم الحملات :
- حملة عقبة بن نافع الأولى (50 هـ – 670 م) حيث فتح قفصة وقسطيلية كما أسس معسكرا بالقيروان، وأقام بها مسجدا إلى أن تم استدعاؤه إلى المشرق، فواصل أبو المهاجر دينار الفتح أين هزم الجيش الذي كان يقوده كسيلة واجتاح المغرب الأوسط.
- حملة عقبة بن نافع الفهري الثانية سنة (62 هـ – 682 م) أين عاد ليواصل الفتح ملحقا هزائم بالبيزنطيين والبربر، حيث بلغ المغرب الأقصى، وخلال عودته استشهد رفقة أبو المهاجر دينار، بعد أن خدعهم كسيلة بادعائه الدخول في الإسلام وتآمره مع البيزنطيين.
- حملة حسان بن النعمان: أولى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أهمية كبيرة لشؤون إفريقيا بعد إستشهاد زهير بن قيس، فجهز جيشا ضخما بقيادة حسان بن النعمان ودخل إفريقيا عام (74 هـ – 694 م) ومضى يسترد مدنها الواحدة تلو الأخرى، فحاصر البيزنطيين وقاتلهم وهدم أسوارهم، إلى أن ظهرت مقاومة بربرية جديدة بقيادة الكاهنة، خاضت معاركها ضد المسلمين على ضفاف واد البلاء وجبال سردياس وتاغدة بمنطقة تبسة، فانتصرت على جيش حسان وأجبرته على التراجع، غير أن هذا الأخير استجمع جيشه مرة أخرى لفتح المنطقة حيث وصل تعداده 40000 مجاهد، ودارت معركة عنيفة أسفرت عن إنتصاره ومقتل الكاهنة ببئر العاتر، ومنها دخلت المنطقة الإسلام. لقد كان للفن الإسلامي ميزات عن غيره من الفنون، حيث اعتمد على الزخرفة الهندسية والنباتية وحرم تصوير الكائنات الحية (الآدمية والحيوانية)، إضافة إلى ابتكار نمط فني جديد يعتمد على الزخرفة الهندسية المركبة، ليأتي الخط العربي هنا ليجمع بينهما، فظهرت العمارة الإسلامية مجسدة في المساجد، القصور، الكتاتيب لتدريس القرآن وتعاليم الدين، وأبرز ما خلفته لنا هذه المرحلة بالمنطقة عملات نقدية، مصابيح زيتة من الفخار، شواهد قبرية… وغيرها.

بعد سقوط الدولة الإسلامية بالأندلس سنة (1492م) احتدم الصراع بين الإسلام والنصرانية خصوصا بتواصل الاعتداءات الإسبانية في الحوض الغربي للبحر المتوسط، ومع بداية القرن العاشر هجري – السادس عشر ميلادي ظهر عدد كبير من البحارة نشأت في خدمة الأسطول العثماني والتي تعمل لحسابه، من بينها أسطول “عروج” و”خير الدين بربروس”، حيث بدأ نشاطه في غرب البحر المتوسط سنة (916 هـ – 1510 م )، أين فتحت له موانئ إفريقيا بعد حصوله على موافقة أهالي الجزائر على ذلك لاسترداد بجاية، أكبر موانئ الشرق الجزائري آنذاك من الغزاة الإسبان، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك فدخلوا عن طريق ميناء جيجل سنة (1514م)، واستقروا بقسنطينة بعد أن وصلوا إليها سنة (1517م وكان لتواجدهم الأثر الهام في تطويرها إلى أن أصبحت عاصمة لبايلك الشرق، وتبسة كانت إحدى المدن التابعة لها إداريا، وهو أكبر البايلكات مساحة وسكانا، كان يمتد من الحدود التونسية شرقا إلى بلاد القبائل غربا، ومن البحر المتوسط شمالا إلى حدود الصحراء الكبرى جنوبا، كما تميز بقلة النفوذ العثماني قياسا ببقية البايلكات.
ويعتبر ” المسجد العتيق ” الذي شيد سنة (1842 م) أبرز المعالم المعمارية التي خلفها لنا العثمانيون، إضافة إلى العديد من القطع النقدية.